شماعة التحكيم- من السخرية إلى الحاجة والاعتراف

المؤلف: خالد سيف11.03.2025
شماعة التحكيم- من السخرية إلى الحاجة والاعتراف

كان لي صاحب حميم، جمعتنا الأيام ثم افترقنا لأسباب واهية. دأبتُ كلما التقيته عقب كل إخفاق مُرٍّ يواجهه فريقي المحبوب جراء قرارات تحكيمية ظالمة، أن أبوحَ له بفيض من الأسى واللوعة. فكان جزائي منه أن أراه "يطقطق" عليّ ويسخر مني، متهكما بعبارات مثل: "ألم تملّوا من ترديد هذه الأسطوانة المشروخة، وتعليق إخفاقاتكم المتكررة على مشجب التحكيم؟".

وذات ليلة، بينما كنت أتهيأ للذهاب في سبات عميق، سمعت فجأة حفيفًا غريبًا يأتي من الخارج. فاسترقت نظرة خلسة من خلال العين السحرية المثبتة بالباب، لأتفاجأ بوجود صديقي القديم، وملامح وجهه تنبئ بأنه يعيش حالة من الانكسار والوهن. فبادرت بفتح الباب له، وقبل أن ألقي عليه بتحية المساء، قاطعني بصوت متلعثم وطلب مستميحًا: "هل من الممكن أن تعيرني مشجب التحكيم الذي لطالما علقتم عليه فشلكم عقب كل خسارة؟". فاستغربت سؤاله وسألته متعجبًا: "وما حاجتك إليه بالذات، وأنت من كان يعايرني بذلك؟". فأجابني بكل صراحة: "في الواقع، أنا بحاجة ماسة إليه لتخفيف مرارة الحسرة التي ألمّت بي الليلة، بعد أن تعرض فريقي لنفس الظروف والمواقف التي كنتم تعانون منها، في كل مرة تُسرق فيها أحلامكم. وها أنا الليلة أشعر بنفس الألم العميق، وأبحث عن أي مشجب أهمل عليه أسباب الإخفاق، لعلّي بذلك أخفف من وطأة الحزن الذي حرمني الفرحة". ثم أردف قائلاً: "عندها تذكرتك وتذكرت المشجب الذي كنت تتنفس معه أحزانك وهمومك الكروية".

ذهلت واستغربت بشدة ممّا سمعت أذناي، ولكني لم أتشَفَّ به ولم أُعامله بنفس أسلوب السخرية والاستهزاء الذي كان يعاملني به، بل وضعت يدي على كتفه بحنان، وقلت له هذه هي حال كرة القدم، فوز وخسارة، و"لسعته" بعفوية بكلمة "كله سلف ودين"، ثم ناولته مشجبًا جديدًا لم يستعمل من قبل، لكني لم أتخلَّ عن المشاجب القديمة التي أحتفظ بها، فهي تحمل قيمة معنوية كبيرة عندي، فهي تختزن ذكريات مؤلمة، حرمتنا من تحقيق بطولات وكؤوس مستحقة. وقلت له "تفداك" هذا المشجب الجديد بجميعه، وختمت حديثي معه بكلمة "معوضين خير".

ربما شعر بالضيق والانزعاج من بعض كلماتي، فأعطاني ظهره وانصرف مبتعدًا، يمشي بغطرسة وكبرياء زعيم متغطرس، حتى أنه لم يكلف نفسه عناء توديعي بكلمة وداع واحدة.

ولكني ما زلت أحتفظ ببعض المشاجب الجديدة الأخرى، على أمل أن يعود ويحتاجها في الأدوار القادمة، أغلقت الباب خلفه وأنا في حيرة شديدة من أمره، كيف له أن يصل إلى هذه الحالة المتدنية من الحزن واليأس؟ بسبب مباراة واحدة لا تسمن ولا تغني من جوع. وهو نفسه من جنى البطولات والكؤوس من الأخطاء التحكيمية المثيرة للجدل! فماذا يا ترى سيصيبه لو تعرض لما تعرض له الآخرون من سرقات فاضحة وواضحة؟

عدت إلى فراشي وأنا غارق في التفكير والتساؤلات، ماذا تخبئ لنا الأيام القادمة؟ هل سنواصل طريقنا بثبات نحو تحقيق اللقب؟ أم أن الحلم سيتبدد ويتلاشى كالعادة؟ وهل ستتغير اللوائح وتُصاغ القوانين من جديد، وتخرج الملفات القديمة من الأدراج المنسية، كلما شعروا بتهديد صدارة الزعيم؟..

وبينما أنا سارح في أفكاري وهواجسي، وإذا بصوت زوجتي يناديني قائلة: "خير، ما الأمر؟"، فأجبتها مطمئنًا: "نامي قريرة العين ولا تشغلي بالك بأي شيء"، ثم فتحت الباب وبنظرة خاطفة في وسط الظلام، وجدت "فأر مذعور"..

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة